محرر الشؤون المحلية |
جاء مرسوم حل مجلس الأمة بناء على «الظروف الإقليمية الدقيقة»، و«ما استجد منها من تطورات وما تقتضيه التحديات الأمنية وانعكاساتها المختلفة من ضرورة مواجهتها بقدر ما تحمله من مخاطر ومحاذير».. وبالتالي، جاء القرار بـ «العودة إلى الشعب مصدر السلطات لاختيار ممثليه للتعبير عن توجهاته وتطلعاته والمساهمة في مواجهة تلك التحديات».
بمعنى هناك «تحديات» يجب على الشعب مواجهتها، وبالتالي تنتقل هذه المسؤولية «دستورياً» إلى من يمثله.
والواضح أن المسؤولية ملقاة بالكامل على الشعب الذي سيختار من بينه 50 شخصاً لتمثيله.
وتمثيله يعني سياسياً وأخلاقياً: أن يكون ضميره وصوته، وتطلعاته وأمنياته، واجباته وحقوقه.. فما الذي حصل، وهل كان الطرفان (الناخب والمرشحون) بدرجة الصفيح الساخن لهذه المسؤولية الكبرى؟
إن من أساسيات مواجهة «التحديات»، ابتداء من العائلة الصغيرة لغاية الوطن، هي: الوحدة.. فلا تستطيع مواجهة شيء وأنت ممزق ومقطّع الأوصال.. ناهيك عن الانتصار في هذه المواجهة التي لا يوجد شك في أنها شرسة ويعاني منها العالم برمته وليس إقليمنا أو دولتنا.
وبدلاً من التركيز على الأولويات وحاجيات المواطن العادي وتحليل «الظروف الإقليمية»، يسعى البعض إلى تحويل الأمر إلى موسم للوثائق، ومهرجان للتوقيع، وتذكيرنا بـ «ثوابت»، وتحذيرنا من «عواقب» بأسلوب فوقي متعالٍ، كما لو أن البلد خالٍ من الدستور وينتظر موسم الانتخابات لكي يعرّفه البعض بثوابته وقوانينه وأسسه وأعراف مجتمعه وتقاليده.
وأيّ مشهد لو كل مجموعة أو ديوانية أصدرت وثيقة وفرضتها على الناس؟!
ألا يبدو المنظر مضحكاً وبعيداً عن روح الوحدة التي نتوق إليها جميعنا وفي هذه الظروف بالذات؟
من جانب آخر، ومنذ انتخابات الطلبة وما شهدتها من أحداث، يبدو جلياً أن أحوال «الوحدة الوطنية» لا تسرّ، لطالما وصل «داء» الكبار إلى الشباب.. وفي خضم هذه الظروف، تشتعل وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى بكل ما يثير الفتن ويوّسع الهوة ويثير الشقاق بين أبناء الوطن الواحد. وكلكم تقرأون يومياً ماذا يدور وينشر، ولا نرى أهمية لذكر الأمثلة.
ويبدو أن دورنا جاء لنذكّر البعض أن الذي غزا الكويت لم يغز فيها طائفة بذاتها وقبيلة بعينها، بل اجتاح البلد برمته، وهدد وجوده وزعزع كيانه كله.. وأن النار عندما تشب في بيت لا تفرّق بين من يجلس في اليمين ولا اليسار.. والشرر الذي يحلّق في سمائنا، لا يعرف ويميّز عنصرك وانحدارك، توجهك، واعتقادك.. بل يسقط على رؤوس الجميع.
هنا تكمن أهمية تحذيرات مرسوم الحل التي يبدو انها آخر ما يشغل بعض المرشحين والمجاميع والتحالفات، التي تمعن الآن في التفرقة، وتوغل في الخلاف، بينما لم نسمع أيّ مشروع أو خطة من تيارات كنا نعتقدها ستأتي بجديد.. وستطرح الحلول.. وستكون خيمة للكل وراعية للمصلحة العامة.. غير أن النتائج كانت مخيبة لأملنا.. ونخشى أن تمتد خيبة الأمل هذه إلى الناخب.. عندها «لا طبنا ولا غدا الشر»، وسنسير من السيئ إلى الأسوأ.
على الجميع احترام دستور البلاد.. الفائز والخاسر في المعركة الانتخابية.. واحترامه بالالتزام بما جاء فيه.. وليس في وثائق استعراضية.. فهو وثيقة البلاد الأولى.. وهذا عهد الأجداد والآباء الذي لا نسمح لأحد كائنا من يكون التفريط فيه والانتقاص منه أو تجاهله.. أو القفز عليه..!
وادخلوا من بوابة الديموقراطية التي شيّدها الجيل تلو الآخر.. هذه البوابة هي حارسكم ومنجاتكم.. ومن يفكر في تجاوزها أو مساسها أو فرض شروطه على الديموقراطية.. نقل له: الديموقراطية هي التي حمتك وأوصلتك إلى الكرسي.. والديموقراطية هي التي أنجبت المجلس الذي تجلس فيه.. وهي درعنا وكرامة أبنائنا.. وهي كذلك.. من جعلت العالم أجمع يتناخى لنصرتنا أيام المحن.
